إن تم دعوتك لدورة أو ندوة عن التسويق الهرمي وجئت هنا لتعرف ماهيته، فاسمح لي بأن أوصف لك المشهد الموجود هناك، قبل حتى أن يتم إقامته.

سوف تدخل عبر ممر طويل يقودك إلى قاعة كبرى ينتظر مئات الأشخاص دخولها لحضور اللقاء الذي تنظمه إحدى الشركات، مشهد يبدو منمق فكل من يمثل تلك الشركة حضر بحلة مميزة مرتديًا بدلة أو رداء رسمي ليصحب من دعاهم للتسجيل وحضور اللقاء، والذي حضره الطلاب والخريجين أملًا في تحقيق الأموال والملايين.
البداية تكون بقيام أحد الموظفين الذي يطلق عليهم "كوتش" بإلقاء كلمة يستعرض خلالها تجربته وما حققه من خلال عمله بالتسويق الهرمي من مكاسب وأموال طائلة، وكيف تحولت معدلات دخله من ما يعادل بضع مئات من الجنيهات أو الدولارات شهريًا إلى عشرات الآلاف في غضون أشهر قليلة، وما استطاع أن يلبيه عمله بالتسويق الهرمي من شراء مسكنه الخاص المميز وسيارته الفارهة، حتى قرر بلا تردد أن يترك عمله الأساسي أو يتفرغ للتسويق.
طبعاً، هو جاهز للإجابة عن أي سؤال بكل رحابة صدر، وبنفس الوقت محاولة إزالة أي شكوك لديك بصحة ما يقوله مع التركيز على تبسيط الموضوع والتركيز دائماً على الربح. التفاصيل غير مهمة، المهم النتيجة، ستصبح غنياً.
عادة ما يكون هذا اللقاء جرعة مكثفة من محاولات الإقناع عبر استخدام حزمة من مصطلحات للتحفيز مثل "اكتشاف القدرات وإثبات الذات وتحقيق الحلم" بجانب التعرض لمزايا وفرص الثراء السريع التي يصفها ويعرضها بعض أعضاء تلك الشركات.
فما هو التسويق الهرمي؟

تسمى هذه الشركات بالهرمي، لأنها توسس لنظام غير عادل، حيث يحصل وكلاء المبيعات في قمة الشركة على الكثير من المال من خلال استقطاب الآخرين، بينما لا يقوم الأشخاص في قاعدة الشركة (الهرم) سوى بخسارة المال
يُعرّف التسويق الهرمي (Pyramid Scheme) بأنّه استراتيجية احتيال استثمارية تعتمد على أموال المستثمرين الجدد، والتي قد يتم الترويج لها من خلال الإعلانات على الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، والعروض التقديمية الجماعية، والمكالمات الجماعية.
يبذل المروجون خلال هذه الإعلانات جهدًا كبيرًا لإقناع الناس بالانضمام إليهم مقابل دفع مبلغ مادي عادة مايكون متوسط، ووعدهم بالحصول على المال مُقابل إحضار مستثمرين جُدد، إلا أنّ هذه الأموال تُستخدم في النهاية لدفع رواتب المستثمرين في المستويات الأعلى.
غالبًا ما يزداد حجم هذه المستويات لدرجة لا يستطيع المروج إيجاد مستثمرين جدد للدفع إلى المستثمرين السابقين، وبالتالي يخسر الناس أموالهم ويحصل المستثمرون في المستويات الأعلى على الأموال.
أنواع مُخططات التسويق الهرمي ، أبرزها ما يأتي:

سلسلة التسويق متعدد المستويات، يعد تجارة قانونية، والتي تقوم على بيع سلع أو تقديم خدمات حقيقية، إلا أنّ المستثمر غير مُلزم بتحقيق نسبة بيع معينة للحصول على دخل، وإنما يجب عليه تجنيد مستثمرين جُدد في مستوى أقل.
يكون أحيانًا من الصعب إيجاد الفرق بين التسويق الهرمي والتسويق الشبكي، وذلك لاحتوائه على منتجات فعلية مثل بيع خدمة الدورات التعليمية، إلا أنّ هذا النوع من العمل ينمو ويكبر من خلال إجبار الأعضاء الجُدد على شراء هذه المُنتجات، والتي تكون أحيانًا عديمة الفائدة بمبالغ عالية، ليقوموا ببيعها إلى أعضاء آخرين وهكذا.
سلسلة بونزي، وهي نفس أسلوب عمل التسويق الهرمي من حيث إحضار أعضاء جُدد، إلا أنّ نظامها يقوم على إقناع المستثمرين الحاليين بالحصول على عوائد مالية من قبل بيع السلع أو الأسهم، إلا أنّه فعليًّا يتم تحصيل الأموال من دفع المستثمرين الجُدد المال للاشتراك، كما يقوم الشخص في المركز القيادي بأخذ جزء من المال كأرباح.
نموذج الكرة الثمانية في التسويق الهرمي يتكون نموذج الكرة الثمانية من 4 مستويات بمجموع 15 عضوًا، ويعتمد على عمل الشخص الأول في القمة بتجنيد شخصين آخرين، وكل شخص منهم يقوم أيضًا بإحضار شخصين آخرين، بهذا الشكل التسلسلي لكل مستوى (1+2+4+8)، بحيث يدفع العضو الجديد مبلغ محدد من المال مقابل الانضمام إلى العمل تذهب إلى الشخص في المستوى الأول.
يُمكن أن يستفيد العضو في المستوى الرابع من خلال إضافة أعضاء جُدد حتى يكون بالنسبة لهم رقم واحد، لذلك فإنه في حالة انهيار العمل، الأشخاص في المستويات الثلاثة الأخيرة هم من يخسرون أعمالهم.
ومن الجدير بالذكر أن مستخدمي هذا النموذج عادةً ما يحاولون استخدام أسماء أخرى مثل دوائر إهداء المال، وأن العضو فيها يحصل على المال كهدية، وذلك للتغطية على حقيقة عملها.
ما المشكلة في هذا النوع من التسويق؟

المشكلة الاولى: المشكلة الكامنة هنا هي أن عدداً كبيراً من المشتركين سيكونون دون أي أرباح فعلية، ففي أي مرحلة من مراحل سير المخطط هناك أكثر من 80% من المشتركين الذين لم يحققوا ربحاً يغطي استثمارهم الأولي.
المشكلة الثانية: تكمن في أن هذا النوع من المخططات غير قادر على الاستمرار بأي شكل من الأشكال على المدى الطويل، فالطبيعة الأسية لتزايد أعداد المشتركين تعني أن هذا الاستثمار سيتوقف عاجلاً أو آجلاً (حسب سرعة الانتشار الخاصة به)؛ فإن كان المخطط يعتمد التوزيع الثلاثي مثلاً، فعند الوصول للمستوى 20 من المخطط يجب أن يكون عدد المشتركين قد تجاوز عتبة 5 بلايين مشترك، وهو رقم غير منطقي بطبيعة الحال.
المشكلة الثالثة: تكمن في المخططات التي تقدم أرباحاً كبيرة نسبياً مقارنة بالاستثمار الأولي عند إضافة أشخاص جدد للمخطط، في هذه الحالة يصل المخطط حداً معيناً يصبح فيه مقدار العمولات المتوجب دفعها للمراتب المتعددة أكبر من المبلغ الذي يدفعه المنضم الجديد أصلاً، هنا ينهار المخطط كلياً، وعادة ما يلوذ مؤسسه بالفرار مع المال الذي جمعه تاركاً معظم المشتركين في المخطط بحالة خسارة مالية فعلياً.
خسائر بالمليارات وأعمال شغب وقوانين تجريم التسويق الهرمي

يعد نشاط الشركات التي تشغل المخططات الهرمية أمراً محظوراً قانونياً في العديد من الدول، فبعد المئات من الحالات التي انهارت فيها مخططات هرمية حول العالم مسببة خسائر ببلايين الدولارات الأمريكية وحتى أعمال شغب في بعض الأماكن كإيرلندا وكولومبيا، قامت العديد من الدول بتشديد القوانين التي تعنى بالمسألة وحظر هذا النوع من المخططات. تتضمن قائمة الدول التي سنت قوانين تجريم لهذه المخططات الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، جنوب أفريقيا، كندا، الصين، وعشرات البلدان الأخرى.
بالتالي تم تحويل هذا النوع من التسويق نحو البلدان التي لا تمتلك قوانين واضحة بهذا الخصوص مثل: (مصر وسوريا والجزائر والإمارات والسعودية وفلسطين)، حيث وقع عشرات وربما مئات الآلاف من الأشخاص ضحايا لعمليات الاحتيال هذه خصوصاً في الأعوام الأخيرة.
Comments